قال أبو خالد الأحول الزاهد:
لما ماتت امرأةُ شيخنا أبي ربيعةَ الفقيه، ذهبتُ مع جماعةٍ من الناسِ فشهِدنا أمرها، فلما فرغوا من دفنها وسوِّيَ عليها، قام شيخنا على قبرِها وقال: يرحمُكِ الله يا فلانة! الآن قد شُفيتِ أنتِ ومرِضتُ أنا، وعوفيتِ وابتُليتُ، وتركتِني ذاكرًا وذهبتِ ناسية.
وكان للدنيا بكِ معنًى، فستكون بعدكِ بلا معنى. وكانت حياتكِ لي نصفَ القوة، فعادَ موتكِ لي نصف الضَّعف. وكنتُ أرى الهموم بمواساتكِ همومًا في صورِها المخفَّفة، فستأتيني بعد اليوم في صُورها المضاعفة! وكان وجودكِ معي حجاباً بيني وبين مشقَّاتٍ كثيرة، فستخلُصُ كل هذه المشاقّ إلى نفسي.
وكانت الأيام تمرُّ أكثر ما تمر في رقّتكِ وحنانكِ، فستأتيني أكثر ما تأتي متجرّدةً في قسوتها وغلظتها. أما إني -والله- لم أرزأ منكِ في امرأةٍ كالنساء، ولكني رُزئت في المخلوقةِ الكريمة التي أحسستُ معها أن الخليقة كانت تتلطّفُ بي من أجلها!
-🤍-
(وحي القلم/ الرافعي)