👆👆👆👆
• نقول أولا: أن هؤلاء الأغرار المدَّعين للسلفية لا يعرفون حقيقةَ مذهبهم، فهم قائلون بحدوث القرآن لا بقِدَمِه، وإنما القديم عندهم هو جنس الكلام الإلهي لا آحاده التي منها القرآن والتوراة والإنجيل وسائر الكتب السماوية، فهي كلها عندهم مُحدَثة، تكلم الله بها في وقتٍ دون وقتٍ كما يزعمون.
والمخالفون لهم - سواء من الأشعرية أو من الحنابلة - يقولون: المُحْدَث المسبوقُ بعدمٍ = مخلوقٌ ولابدّ، ولا يُعقل فرقٌ بينهما، ولهذا حكى الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين) اتفاق أهل الإثبات على أن معنى مُحدَث هو معنى مخلوق، وأن معنى مخلوق هو معنى مُحدَث، ولا فرق بينهما، ثم قال الأشعري: وإليه أذهب وبه أقول.
فلو ألزمهم مُلزِمٌ بأنهم يقولون بخلق القرآن = لم ينفكُّوا عن هذا الإلزام إلا بتكلفٍ شديدٍ، ولا يُسَلَّمُ لهم.
• ونقول ثانيا = أيّ معنى لإثارة هذه ((المسألة المشؤومة)) كما وصفها الإمام البخاريّ رحمه الله، وإخراجِها من سياقها العلمي البحثي، وإقحامها في الشأن العام = سوى أنه ضربٌ من الحماقة والغباوة، أو المكر المتعمّد الذي دُبِّرَ بليلٍ، قصدًا لإثارة الفتن والقلاقل.
والمحققون من علماء أصول الدين قد تكلموا في هذه المسألة بما لا مزيد عليه، ومحَّصُوا أدلَّتها ومناطاتها، وبيَّنوا أنها من غوامض الكلام وفروعه الدقيقة، وليس في أدلَّتها ما هو يقيني أو قطعيٌّ، ولا فيها ما يُوجبُ التضليل والمنافرة وقطْع الألفة بين المسلمين، فضلا عن تكفير بعضهم بعضا.
وفي أوائل تفسير العلامة الآلوسي المسمّى (روح المعاني) = بحثٌ يشفي الغليل في تحقيقِ مذهب الأشعرية في هذه المسألة وتوجيهِ ما أُورِدَ عليه من إشكالاتٍ، وأن تشنيعَ المُشنِّعين عليه ليس سوى ((صرير بابٍ أو طنين ذباب)) كما قال.
وإنما هذه الخصوماتُ كلها من شؤم التعصّب والطاعة العمياء للسادة والكبراء، ومن شؤم الإقدام على ما لا قِبَلَ للعقول به من صفات الباري تعالى، وعدم الوقوف حيث ينبغي للعقل أن يقف.
وقد صدق العلاّمة صالح المَقْبِليّ رحمه الله إذْ قال في كتابه "العَلَم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ" ص 130: ((وإذا نظرتَ لم تجد للمسألة حاصلا يوجبُ هذا التضليل العريض، لكنّه عقوبةٌ لهم بسبب التعرُّض لما لا يعني)).
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في كتابه "إرشاد الفحول" في معْرض كلامه عن مسألة تكليف المعدوم:
((وتطويلُ الكلام في هذا البحث قليلُ الجدوى، بل مسألة الخلاف في كلام الله سبحانه، وإن طالت ذيولها، وتفرّق الناس فيها فِرَقًا، وامتُحِن بها مَن امتُحِن من أهل العلم، وظنّ مَن ظنَّ أنها من أعظم مسائل أصول الدين = ليس لها كبيرُ فائدة، بل هي من فضول العلم، ولهذا صان اللهُ سلفَ هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم عن التكلُّم فيها)) انتهى.
وفي هذا القدر كفاية، وبالله تعالى التوفيق.