لا أعلم كيف أصبحت الأيام تمر بهذه الغرابة، أفتح عيني وكأنني لم أنم أصلًا، وكأن الليل لم يأتِ ليمنحني بعض الراحة. أشعر أنني عالق في دائرة زمنية مفرغة، لا أبدأ فيها شيئًا ولا أنهي شيئًا.
أمضي ساعاتي أتنفس بصعوبة خفية، أخاف أن يلاحظ أحدهم ثقل أنفاسي فيسألني، فأضطر للكذب من جديد، وأقول: "أنا بخير".
لم أعد أذكر متى كان آخر يوم استيقظت فيه بشيء من الحماس أو بشيء يشبه الحياة. أصبحت الأيام تتشابه، تكرر نفسها بملل موجع، حتى صارت الساعة بلا معنى، والشمس والقمر مجرد علامات زمنية لا أكثر.
أستيقظ… لا لأنني أريد ذلك، بل لأن جسدي يأبى أن يستسلم لما أتمنى. أفتح عيني فأجدني ما زلت هنا، ما زلت عالقًا بين أنفاسي، ما زلت محكومًا بالبقاء رغم أنني سئمت من الحضور.
أتقن الكتمان حدّ الإحتراف، أبتسم تلقائيًا كأن الابتسامة جهاز ميكانيكي لا يحتاج إلى شعور، أتحدث مع الآخرين وكأنني أحد غيري، كأنني أراقب شخصًا غريبًا يتحرك بدلاً عني.
لا أرى جدوى من الشكوى، ولا أمل في النجاة. كل الأسئلة التي اعتدت أن أطرحها على نفسي انتهت بإجابات واحدة: "لا أحد سيأتي"، "لا أحد سيبالي"، "لا أحد سيسمعك".
اعتدت فكرة الغياب حتى وأنا موجود، اعتدت ألا يفتقدني أحد وأنا حاضر بينهم.
أفكر كثيرًا بالموت… لا خوفًا منه، بل شوقًا. شوقًا لصمت لا يُكسر، لظلمة لا تزعجني فيها الوجوه ولا الأصوات ولا الأسئلة السطحية.
وكلما عزمت على الانسحاب، تذكرت الوجوه القليلة التي ربما فقط ستحزن قليلًا. فتراجعت، لا حبًا في الحياة، بل خوفًا من إيلام من تبقى لي.
أنا لم أعش يومًا كما يجب… كنت دومًا أسير وأنا أجرّ خلفي خيبة ثقيلة، قلب مثقوب لا يرمم. أساعد الجميع كي أنسى نفسي، أفهم الجميع كي لا أسمع صوت عقلي، أُحِبّ الجميع لعلّ أحدهم يومًا يعود ليُحبني كما أنا، لكنه لم يحدث.
وأدركت الآن متأخرًا أنه لن يحدث.
هذه الحياة لم تكن لي، ولن تكون لي. أنا مجرد ظلّ مرّ عابرًا ولن يتذكره أحد طويلًا.
لذلك إن غادرت ذات ليلة دون وداع، لا تبحثوا عني، لا تلوموا أنفسكم، ولا تقولوا “لو بقينا بقربه”. لا شيء كان سيُجدي، لا أحد كان سيُنقذني.
لا أريد شفقة، لا أريد رثاء… فقط لا تتشبثوا بحياة مثلي. إن استطعتم الرحيل خفافًا، افعلوا. وإن بقيتم، لا تصبحوا مرآتي.
تبا لهذا العالم الباهت… وتبا لحلمي القديم الذي لم يتحقق.
إنني متعب… آن لي أن أنام، أخيرًا.✨💙